top of page

عطاء حتى آخر رمق

عطاء حتى آخر رمق

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا"

في هذا الحديث معاني أكبر من أن يدركها شاب صغير اعتاد أن يلوم غيره على ما أخفق في تحقيقه، تعرفت خلال وجودي في ماليزيا على أشخاص مازالوا يحققون إنجازاً تلو الآخر بعد العقد السادس من العمر، بينما يشعر شبابنا العربي بالشيخوخة في العقد الثاني من العمر، فيما رأيته هنا، هؤلاء الأشخاص هم الأعمق فهماً لروح الدين وإن لم يكونوا أحفظ لنصوص القرآن، هم الأكثر اتباعاً لسنة نبي الله رغم أنهم لم يقرأوا الكثير من أحاديثه.

يسعدني أن أقدم لكم أحد أولئك الأشخاص، السيد الحاج يوسف (توان حجي يوسف)، مشرف مدرسة عابدين، تجاوز الخامسة والستين من عمره، وما زال يعمل بطاقته الكاملة التي تفوق طاقة الطلبة والمدرسين.

توان حجي يوسف شخص من أهم مدراء المدارس على مستوى مدينة بوترا جايا، والمنتخب لتطوير المدارس ذات الأداء المتدني ليتمكن من رفع أداءها خلال عام دراسي واحد لتنافس المدارس الدولية في نظامها و كفاءتها ونقل مستواها لما يتجاوز المستوى التقليدي.

وكان من حسن حظي أن أعمل مع توان حجي رغم حدود اللغة وصعوبة التواصل، إلا أنني أرى يومياً قدرته التي تبهرني في توليد الأفكار والإبداع في تحفيز العاملين لإيجاد أفكار نوعية ترتقي بأداء مدرسة عابدين، كان قد أوصلني ذات مرة إلى كوالالمبور والتي تبعد تقريبا ساعة عن مدرستي، حدثني فيها حديثا لا يختلف كثيرا في محتواه عن سير العظماء في الانتقال من الفقر إلى الثراء.

كان قد عمل في أدنى مستوات العمل المهني ليكمل مسيرته التعليمية، لم يشعر بالخجل والحرج وهو يخبرني كيف كان ينهي عمله في المدرسة ليكمل عمله في التنظيف حتى ادخر مبلغاً يشتري به اسهماً في شركة أعمال زادت من ارباحه ودخله، وخلال ذلك الوقت توفيت زوجته لتترك له طفلة يرعاها وحده، ولم يثنه ذلك عن الالتزام بعمله وتأديه

واجبه حتى يوم جنازة زوجته.

كنت اعتقد أنه يبالغ في حديثه إلى أن جاء يوماً إلى المدرسة ووجهه متورماً بسبب ألم الأسنان،، فوجئت من قوته وجلده والتزامه الأخلاقي نحو العمل، تأملت وجهه كثيراً وأنا أتخيل كمية الألم التي يعانيها رجل في مثل عمره لم يقعده عن الحضور لمزاولة عمله.

توان حجي يوسف يعمل محاضراً في أحد الجامعات الماليزية في مجال التربية، ويعلمني ومن معي كل يوم دروساً في الإخلاص وإتقان العمل، مفهوم لطالما درسناه، وقلما مارسناه، للشعب الماليزي وأمثال توان حجي يوسف كل الاحترام.

bottom of page