top of page

اللعب وسيلة تربوية في عابدين

الكثير من الآباء كانوا وما زالوا يلومون نظام التعليم الفاشل في قتل إبداع أطفالهم، وبالنظر للمناهج العربية التي يدرسها أطفالنا، فهي مناهج قوية ومتسلسلة ولا تختلف كثيرا عن المناهج التي كنا ندرسها صغارا، إلا من حيث منهجية التدريس، فقد كان كل ما حولنا في الوقت الذي تعلمنا فيه مختلفاً تماماً عنه الوقت الحالي، إذ كنا في السابق نفرح كثيراً لاستلام كتاب ملون فيه بعض الصور التي تشرح محتوى الكتاب، وكنا نتأمل كثيراً في صورة أمل تقرأ الكتاب، وأمي تعد الفطور وأبي يزرع الفول.

كنا نستمتع برؤية ألوان الطيف تعبر المنشور الزجاجي لوناً واحداً ثم تتوزع لسبعة ألوان مختلفة وإن لم نطبق ذلك عملياً لقلة الإمكانيات ربما، بينما في العصر الحالي نجد من الوسائل التعليمية والتكنولوجية ما يجعل الكتاب بكل ألوانه مملاً وقاتلاً، ومع كل ما تقدمه التكنولوجيا والبيئة المحيطة من وسائل ترفيهية يشتاقها الطفل، أصبحت الحصة الدراسية سجن بكل ما تحمله الكلمة من معاني.

في مدرسة عابدين، ندمج بين اللعب والدراسة، نجتهد لأن يجد الطالب في المدرسة ضالته من التعليم والتربية والترفيه والتسلية، في بيئة آمنة ونظام تربوي مدروس بعناية ومطبّق في أعلى الدول مستوىً في التعليم المدرسي مثل فنلندا واليابان، ومما أثار حفيظتي رفض أحد الآباء لنظام التدريس قائلاً بأن أطفاله أصبحوا أكثر حماساً للذهاب إلى المدرسة لأنهم يلعبون.

حين يتعلم الطفل في المدرسة المنهج الأكاديمي فقط بنفس النظام التقليدي يصبح التعليم مملاً قاتلاً ويفقد الطفل حماسته للذهاب إلى المدرسة وكنت أرى في مدينتي بقطاع غزة أطفال يجرّهم أباؤهم للمدرسة جراً وهم يصرخون وينتحبون كمن سيذهب إلى حتفه.

ما فائدة اللعب في المدرسة إذن؟

لن أتحدث الآن عن قوة البرنامج الأكاديمي والمناهج الدراسية المتبعة في مدرسة عابدين، وإنّما كيف يلعب الأطفال في مدرسة عابدين ولماذا ومتى؟

يحصل الأطفال يومياً على استراحة 10 دقائق بين الحصص الدراسية بعد أن يقوموا بإنهاء التدريبات، تتم مكافئتهم بالحصول على وقت للعب، كما يحصلون على ساعة للعب إما باستخدام الألعاب العقلية مثل الشطرنج وغيرها، أو باللعب ضمن فريق.

يقوم المعلم بالإشراف على وقت اللعب لتمرين الطلبة على تقبل بعضهم البعض وفهم طبيعة اللعب ضمن فريق، بحيث يتعلم الطالب قيم التعاون، والتفاهم، والتقبل، والروح الرياضية في قبول الهزيمة والفوز، وإزالة الحواجز بين الطلبة، وتهذيب الطلبة ذوي الطبيعة الحادة أثناء اللعب، كل هذه القيم لا يمكن أن يتعلمها الطلبة لو لعبوا منفردين في

الشارع أوالحديقة وبدون إشراف تربوي.

يتعلم الطلبة خلال وقت اللعب ما يجعلهم أكثر تعاوناً وحباً و حرصاً على بعضهم وعلى فريقهم، ويشعرون بالطاقة المتجددة للعودة إلى صفوفهم للتعلم انتظاراً لوقت اللعب، وهم حريصون جداً على أداء واجباتهم وتدريباتهم لأن من لا ينجز وظائفه الدراسية سيحرم من المشاركة في وقت اللعب ويقضي وقته وحده حتى ينجز واجباته كاملة ثم يستطيع أن يشارك في اللعب إن تبقى لديه وقت لذلك.

أصبح الطلبة أكثر حرصاً على الدراسة كي يتمتعوا بوقت إضافي للعب، فوسيلة العقاب المستخدمة في مدرسة عابدين ليست وسيلة عقاب بدني أو لفظي أو نفسي، بقدر ما هي طريقة سيكولوجية تحفز الطالب على إنجاز العمل الموكل إليه حتى يستمتع بمشاركة أقرانه باللعب والترفيه والتسلية الموجهة توجيهاً تربوياً سليماً.

اللعب هو وسيلة من وسائل مدرسة عابدين في إنشاء جيل منطلق متعاون مسؤول عن نفسه، يؤمن بالثواب والعقاب دون المساس بسلامته النفسية أو التقليل من شأنه، بل إعداده ليكون قائداً ناجحاً على المستوى الأسري والمجتمعي.

bottom of page