top of page

اسمها نشميّة، ولها من اسمها نصيب

بعضهم كالملائكة نوراً وطهراً،، براءةً وقوةً، رقةً وجمالاً.. إحدى الطالبات المتفوقات في مدرسة عابدين، شُهرتها ميا، من اسمها الأصلي نشمية، والذي يشتهر عند العرب بالشجاعة والعطاء والكرم والنخوة، وأكاد أجزم أن لها من هذه الصفات جميعها نصيب، بالإضافة لتواضعها وحبها الشديد لغيرها وايثارها لهم على نفسها.

في كل يوم تفاجئني نشمية بتصرف جديد يجعلني أفكر في طريقة التربية التي تلقتها، وجعلت منها إنسانة نموذجية في عمر صغير جداً، فعلى صعيد السلوك هي لا تتدخل في ما لا يعنيها، ولا تهدر وقتها في الألعاب التافهة التي قد يلعبها بعض الأطفال في فصلها، وليس لديها أي فضول لمعرفة أي شيء لا يخصها، وعلى الصعيد الأكاديمي فهي ذكية لمّاحة وسريعة التعلم وفي الوقت نفسه هادئة ومتزنة وكأن عمرها خمسة عشر عاماً، ومن حيث العمل الجماعي تشارك في المسابقات والأنشطة الرياضية بحماسة وتفاعل شديد، ولكنها لا تبدي التفاعل نفسه لو كان الأمر سيؤثر على علاقتها بصديقتها المقربة ، بل قد تؤخر نفسها في الإنجاز كي لا تسبق صديقتها في الدرجات فيؤذي ذلك قلب صديقتها بسببها، وهو ما لا يمكن أن تسببه نشمية لأحدٍ مطلقاً.

غير أن أحد أكثر المواقف الذي أدهشني ردها في أحد المواقف حين طلبت منها أن تأخذ دفتر الرسم والألوان وتذهب للأستاذ كي يعلمها كيف ترسم، فكان ردها "يمكن أن أتعلم وحدي من اليوتيوب" مع يقيني أنها قادرة على ذلك إلا أنني تساءلت من أين جاءت تلك الفتاة الصغيرة في الصف الأول الابتدائي بمهارة التعبير عن نفسها وقدرتها، وتحديد ما يمكنها أن تفعله لتجنب التعلم من أستاذ الرسم بسبب حيائها، هي ليست مستقلة ومعتمدة على نفسها وحسب، بل خصلة الحياء فيها من أجمل الخصال التي تظهر نقاء الفطرة التي فطرت عليها، نشمية ليست طفلة عادية، بل هي طفلة ما زالت محتفظة بفطرتها النقية رغم بشاعة هذا العالم وتستطيع التأقلم بذكاء شديد مع المحافظة على صفاتها الايجابية التلقائية.

من أهم مميزات التربية في ماليزيا الحفاظ على فطرة الأطفال إجمالاً من أي مؤثرات، يحرص الآباء أن لا يتعرض أطفالهم لأي مواقف تؤثر على استقرارهم العاطفي أو تسبب لديهم سلوك عدواني، لذا تجد آيات الحب والتعاون تتجلى في تعاملهم مع بعضهم البعض، ونحن كمعلمين ومعلمات في مدرسة عابدين نعزز هذا السلوك ونثني على من يقوم به ونكافيء أفضل الأطفال سلوكاً، ونعطيهم اسم نجم المدرسة ليس فقط للأداء الأكاديمي وإنما لحسن الخلق والتعاون، وحين أرى مشاهد الحب والتواد والتعاطف والتعاون بيهم اتذكر حينها بعض مناظر الشجار القاسية التي كنت أراها عند طلبة المرحلة الابتدائية في الشوارع أثناء عودتهم من المدرسة، وأدرك كم لدينا في الوطن العربي من سلبيات بحاجة للتقييم والمعالجة قبل أن نفقد السيطرة عليها تماما. وحتى لو كانت قسوة الحياة في بعض الدول العربية وفلسطين منها سبباً في تغيير سلوك الأطفال، فهذا لا ينفي أن للأسرة الدور الأول في التقييم والعلاج، فالأسرة لبنة المجتمع وما ممارسات أطفالنا إلا اقتداءً بما يرونه أمام أعينهم منا، معلمين كنا أم آباء،، فلنكن خير قدوة لخير جيل.



bottom of page